عندما أبدع هذا الكون ربّ العالمينا
و رأى كلّ الذي فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن و تهواه حراكا و سكونا
وزمانا ، و مكانا ، و شخوصا و شؤونا
فارتقى الخلق و كانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في الدنيا و دام الحبّ فينا
*
إنّه روح كريم لبس الطين المهينا
و نبيّ بهر الخلق و ما أعلن دينا
يلمح النّجم خفيّا و يرى العطر دفينا
و يرينا الطّهر حتّى في النّجاة الآثمينا
و يحسّ الفرح الأسمى جريحا أو طعينا
كلّما شاعت دماه أملا في البائسينا
*
من سواه فيه وقار الناسكينا
من سواه عابد فيه جنون الثائرينا
من سواه عانق الله يقينا لا ظنونا
من ترى إلاّه يحيا نغمات و لحونا
من ترى إلاّه يفني ذاته في الآخرينا
*
لو أبى الله علينا و هليه أن يكونا
عادت الأرض و هادا شاحبات و حزونا
ترتدي الوحشة و الهول ضبابا و دجونا
و أقاحيها هشيما لا أريجا و فتونا
و سواقيها سرابا هازئا بالظامئينا
و شواديها دمى خرساء تؤذي الناظرينا
و استفاق الجدول الحالم غيظا و جنونا
و استوى النهر على وجه الثرى جرحا ثخينا
وانطوت دنيا الرؤى فيها و مات الحالمونا
*
أي و ربّي لو مضى الشاعر عنّا لشقينا
و لعشنا بعده في غصص لا ينتهينا
ولأمسى الله مثل الناس مغموما حزينا !
*
زعموا ولّى و لن يرجع ويح الجاهلينا
لم يمت من كان لله خليلا و خدينا
عاش حينا و سيحيا بعدما غاب قرونا